المجتمع المعلوماتي



درج الناس على وصف أواخر القرن العشرين بأنة عصر السرعة ,ويعود ذلك إلى التطور الكبير الذي طرأ على سبل الاتصال ووسائله ,وانعكس هذا التطور بأثرة على الثقافة بعملياتها ووسائلها ومكوناتها . وخلال الربع الأخير من هذا القرن تسارعت التطورات العملية في الإعلام والمعلومات, ويجمع العلماء المختصين على أن ثورة المعلومات التي ترجمت في ما يسمى بالانترنت يعد أهم انجاز تكنولوجي تحقق, إذ استطاع الإنسان أن يلغي المسافات ,ويختصر الزمن ويجعل من العالم أشبة بشاشة الكترونية صغيرة في عصر الامتزاج بين تكنولوجيا الإعلام والمعلومات والثقافة والتكنولوجيا, أضحى الاتصال الكترونيا وتبادل الأخبار والمعلومات بين شبكات الحواسيب حقائق ملموسة ,مما أتاح سرعة الوصول إلى مراكز العلم والمعرفة والمكتبات والاطلاع على الجديد يوما بيوم بل لحظة بلحظة.(الموسى 1422).

وفي إطار التطور السريع لتقنيات الاتصال وما صاحبها من ثورة في تقنيات خدمات نقل المعلومات , يتناول الآخرون إبعادها وتأثيراتها المختلفة في الثقافة المحلية لإعادة النظر في تنظيم المجتمع , وكيفية استغلال موارده المتاحة , للتأقلم مع عالم الغد الذي ستصبح فيه المعلومة وقوة التقنية المساعدة على سرعة نقلها هي العامل الأساس لتحقيق النمو الاقتصادي والرفاهية الاجتماعية على المستويين المحلي والوطني والعالمي. فالولايات المتحدة الأمريكية , مثلا تؤكد على أهمية البنية الأساس للمعلومات في تحقيق أهدافها الوطنية والدولية , والمتمثلة في "دعم النمو الاقتصادي النشط والمستمر وتعزيز الديمقراطيات وتسهيل إيجاد حلول أفضل للتحديات البيئية العالمية وتحسين الرعاية الصحية , كما تهدف في نهاية الأمر إلى تعزيز الإحساس بالمشاركة في توجيه دفة الحياة على كوكب الأرض ".(مصمودي 1998)أيضا أدرك الأوروبيون أهمية ما أسموه بالمجتمع المعلوماتي ,حيث بدؤوا بالاستعداد له ,منذ أوائل الثمانينات من هذا القرن, عن طريق تشجيع البحث العلمي والتطوير في مجال تقنية المعلومات والاتصالات , وبخاصة في ما يتعلق بتطويع اثر الاتصالات وخدمات المعلومات في برامج الرعاية الصحية والنقل والتعليم .

كل ذلك دليل واضح على أهمية قطاع الاتصالات والتقنيات المعلوماتية التي تقود العالم الى مستقبل يكون القوي فيه من يملك البنية الأساس التقنية والقدرة على تطويرها وتطويعها في التعايش مع مجتمع المعلومات في القرن المقبل . فالقوة الحقيقية في عصر المعلومات ,ليست في امتلاك السلاح النووي أو الصواريخ العابرة للقارات ,بل القوة تكمن في امتلاك " نظام اتصالات عالميا عبر الأقمار الصناعية " , وهذا ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية القوة الوحيدة في الوقت الحاضر.

كما تجدر الإشارة إلى وجود مشكلة أساس أمام الحكومات والتي تتمثل في عدم القدرة على التحكم في شبكة الانترنت العالمية , ويرى كثير من الباحثين بان ذلك مستحيلا بخاصة إذا ما أخذنا في الحسبان أنه في الوقت الحاضر إمكان الوصول إلى هذه الشبكة لا تتطلب سوى امتلاك المواطن لخط هاتفي يمكن أن يجري منة مكالمات دولية . أما في المستقبل فالأمر أكثر استحالة , لان المواطن سوف يتمكن من امتلاك نظام اتصال خاص به يوصله بالأقمار الصناعية وبأثمان مناسبة .

وهذا بأثرة ينقلنا إلى تأثير الثورة المعلوماتية وعالميتها على الثقافة ,وبخاصة المتميز منها , كالثقافة الإسلامية مثلا . فالأقمار الصناعية التي نقلت المجتمعات من طبيعتها الثقافية المتباينة لتواجه التحدي الذي تفرضه الثقافة العالمية , لابد لها من الاستعداد لمواجهة الزحف الهائل المتمثل في تصدير ثقافة الأقوى تقنيا . فالثقافة في الوقت الحاضر أصبحت سلعة كغيرها من السلع تباع وتشتري , وتصدر عبر البث الفضائي من إنحاء العالم المختلفة سواء بوساطة الأقمار الصناعية أو بوساطة الانترنت ,وأصبحت المشاركة في الثقافة مفتوحة للجميع فلم تعد التكلفة المادية هي الأساس , ذلك إن أي فرد مشترك في الانترنت يستطيع أن يرسل ويستقبل ما يريد بتكلفة زهيدة . بل إن هذا النوع من الثقافة ,والمتمثل في برامج التلفزيون وأفلام السينما والدعاية الإعلامية , أصبح ذو مردود اقتصادي كبير بلغت عائداته في الولايات المتحدة الأمريكية ضعفي عائدات المجتمع من الصادرات في قطاع الطيران ,(ثرو 1998).بسبب ذلك تبنت بعض الدول الأوروبية سياسات للحد من تصدير الثقافة الأمريكية , محاولة منها لحماية إنتاجها المحلي من البرامج والأفلام السينمائية .
وفي خضم كل هذه التطورات التقنية الهائلة في قطاعات الاتصالات وخدمات المعلومات ,تظل تقنية شبكة المعلومات العامية (الانترنت) تحتل أهمية بالغة في عالم الغد ,الذي سوف تكون فيه المعلومة ووسيلة نقلها أداة أكثر تأثيرا في يد من يملكها ويطورها ويطوعها في خدمة أهدافه التنموية الوطنية والحفاظ على ثقافته من التحدي الذي تفرضه الثقافة العالمية حاضرا ومستقبلا , وبغض النظر عن الايجابيات التي سوف تحققها التطورات التقنية في مجال نقل المعلومات , إلا إن هناك من المشكلات التي ستواجه مجتمعاتنا الإسلامية والعربية ,إذا لم تخطو بشكل أسرع في إرساء البنية التحتية لتقنيات الاتصال وخدمات المعلومات.

· التقنية في تطور مستمر :


منذ ما يزيد عن عشرين عاما كان الهاتف اعقد وسيلة من وسائل تقنية الاتصال عن بعد ,أما اليوم ونحن نستشرف بداية الألفية الثالثة فقد أصبحت الوسائل الشائعة للاتصالات المحلية والدولية تشمل الأجهزة المتطورة ,مثل: أجهزة المؤتمرات المرئية , وأجهزة الناسوخ (الفاكس),والبريد الصوتي , والهاتف النقال , والبريد الالكتروني ,وخدمات الانترنت والانترانت, وإذا كان هذا في تخصص التقنيات بصفة عامة فان التقدم لم يقتصر على تلك الأجهزة بل تعدى إلى البرامج أيضا, حيث أصبح من المألوف ظهور برامج خاصة لكل جهة أو مهنة وفق احتياجاتها , لدرجة أن الحاسوب أصبح عاملا مساعدا في تركيب وقصاصات الشعر !!!

ومهما يكن من أمر فقد أصبح من الواقع القول بان التدفق الهائل من المعلومات احدث تغييرا هائلا حتى في سلوك الأفراد وان كان هذا الوصف لا يصل إلى درجة كاملة من الدقة, فالقوة والسرعة هما عماد تقنية المعلومات ولعل أكثر ما يثير الدهشة هو السرعة التي تطوى بها ابتكارات اليوم لتدرج سجل الماضي , فشتان بين الكابلات المصنوعة من الأنسجة الضوئية التي ابتكرت في التسعينات وكابلات الهاتف التي مدت عبر المحيط الأطلسي في أواخر الخمسينات .وعندما قدمت مؤسسة إنتل (Intel Corporation)رقائق الحاسوب لأول مرة عام 1971م حدثت تغييرات جذرية في سوق الالكترونيات . ويتنبأ بعض المتخصصين في الحاسوب أنة بحلول عام 2047م أي: بعد مرور قرن كامل على اختراع الترانزيستور سوف تبلغ قدرة الرقائق 10 ملايين ضعف مقدار ما هي علية اليوم . وتبين الإحصائيات الاقتصادية صحة هذه الآراء , ففي الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال يمثل إنفاق المستهلكين من الأفراد والشركات على المعدات المتطورة 38% من حجم النمو الاقتصادي عام 1990 م, وفي عام1994م ارتفع حجم الإنفاق الأوربي على البرامج والخدمات المتعلقة بتقنية المعلومات بنسبة 9% بحيث وصل إلى 74 مليار دولار, كما ارتعت مبيعات أجهزة الحاسوب في الشرق الأوسط بنسبة 14% سنويا على مدى السنوات الخمس الماضية ومن المتوقع أن يزداد ارتفاعها في السنوات المقبلة . (السويدي 1998م).

والمتتبع لواقع الدول والحكومات على مستوى العالم يجد أنها بدأت العدة والتخطيط لهذا القرن " قرن المعلومات " فلقد عدت إدارة كلينتون منذ انتخابه عام 1992 أن الثورة الرقمية وبخاصة موضوع طريق المعلومات السريعة قضية ذات أولوية رئيسة , ففي مؤتمر تطوير الاتصالات العالمية الذي عقد في بيونس أيريس عام 1994م طرح آل جور نائب الرئيس الأمريكي رؤية الولايات المتحدة بشأن البنية التحتية للمعلومات الدولية التي يعتقد أنها تهدف إلى دعم النمو الاقتصادي النشط والمستديم , وتعزيز الديمقراطيات وتسهيل إيجاد حلول أفضل للتحديات البيئية العالمية , وتحسين الرعاية الصحية كما تهدف في نهاية الأمر إلى تعزيز الإحساس بالمشاركة الجماعية في توجيه دفة الحياة على كوكب الأرض.
أما بالنسبة للاتحاد الأوربي – كما سبقت الإشارة – فقد أدرك الأهمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لمجتمع عصر المعلومات وبدأ منذ بداية الثمانينات بتكثيف الأبحاث في تخصص المعلوماتية ففي عام 1985م تم إجراء برنامج ريس (Race)وفي عام 1986م أطلق ثلاثة برامج أخرى هي برنامج أيم (Aim) لتطبيقات الاتصالات في مجال الرعاية الصحية وبرنامج درايف (Drive) للنقل البري وبرنامج دلتا (Delta) للتعليم عن بعد . (مصمودي 1998م).

وقد توج الاتحاد الأوربي هذه الاتجاهات في مؤتمر وزراء الدول الصناعية السبع الكبرى الذي حضره آل جور في بروكسل في شباط فبراير 1995م ,كما حضر هذا المؤتمر لأول مرة اريمون ممثلا من القطاع الخاص شاركوا بالمؤتمر بصفة رسمية , وفي ختام المؤتمر أعلن (جاك سانتير) رئيس المؤتمر ورئيس اللجنة الأوربية عن وثيقة بعنوان " خاتمة الرئاسة " تؤكد على أن تطوير مجتمع المعلومات أمر حيوي لمستقبل القدرة التنافسية في أوربا ,ولدعم الاستثمارات في الاتحاد الأوربي , ولحفز الطاقات الاختراعيه والابداعيه . وقد بدأت الأسواق في شتى أنحاء العالم تزدهر بالفعل ,ولنا أن نتخيل ما ستكون عليه في المستقبل القريب أو في منتصف القرن الحادي والعشرين ,فلابد من أن يصبح الأوربيون هم المحركين والمشيدين والمنتجين والمصلحين والموردين والممولين ,في سياق مجتمع المعلومات العالمي ,وليسوا مجرد ومتطفلين على طريق التقنيات وكأنهم مسافرون إلى مجرة لا ينتمون إليها ,معنى ذلك أنة يجب أن نوفر الحد الأقصى من الفرص المتاحة لأصحاب المشروعات لتنمية منتجاتهم وخدماتهم (مصمودي 1998م) .

v ومن أهم المشروعات الريادية في هذا المؤتمر ما يأتي:


· إعداد قائمة عالمية حول تأثير مجتمع المعلومات .
· الربط بين الشبكات واسعة النطاق .
· التعليم والتدريب بوساطة الثقافات المختلفة .
· المكتبات الالكترونية .
· المتاحف والمعارض الفنية الالكترونية .
· إدارة الموارد الطبيعية والبيئية .
· المعلومات الحكومية المعتمدة على الحاسوب .



والعالم العربي ليس مستبعدا عن هذا المشروع العالمي ,بل أنة يترقب بتفاؤل عصر مجتمع المعلومات , ولقد أوضحت الخبرة أن الاتصال بوساطة الأقمار الصناعية جعل المشاهد العربي يرى من خلال التلفزيون مزيدا من المعلومات , مما أدى إلى زيادة الوعي الاجتماعي ومن ثم شحذ الحس النقدي لديه ,ومن خلال هذا الوعي صار المواطن العربي أكثر تفاعلا مع المجتمع . وقد أشار (مصمودي 1998م ) أن الدراسات تشير إلى أن الدول العربية يمكن أن تستفيد كثيرا من فرص الاتصالات من خلال تصدير الخدمات بوساطة الاتصالات العالية الجودة بأسعار لا تنافس, بفضل وضعها الثقافي واللغوي في المقام الأول . وترى بعض الدراسات أن الدول العربية تستطيع أن تستوعب ما بين 1% إلى 5% من فرص العمل التي تتيحها الدول الصناعية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق